29 - 06 - 2024

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين

قبل فترة كتبت رسالة إلى وزراء مصر عن شكوى خبير ورجل أعمال وشركاء معه من التعقيدات والشروط المجحفة التي واجهتهم لتاسيس مشروع زراعي جديد في مصر وتحديدا في الأقصر، والتي تناسب أراضيها ومناخها نوعية المحاصيل التي كان يستهدفها المشروع، وقد حالت الشروط دون استكمال المشروع.

ويمثل القطاع الزراعي أهم قطاع مع الصناعة في الإستثمار الإنتاجي، والذي يقلل من فاتورة الإستيراد واستنزاف رصيد البلاد من النقد الأجنبي، بل يزيد على ذلك توفير فرص عمل مستدامة، وإستقطاب إستثمارات توفر نقد أجنبي بتصدير الفائض منها لمحتلف بلاد العالم.

ويبدو أن المعوقات والشروط لا تقف ضد المستثمرين فقط، بل هي عقبة أمام صغار الفلاحين، فالمؤكد أن الحكومة تستثمر في مشاريع عملاقة ضمن خطتها لزيادة الرقعة الزراعية إلى 3.3 مليون فدان، مستهدفة رجال الأعمال ذوي رؤوس الأموال الضخمة.

إلا أن الأرقام تشير إلى أن نسبة مشاركة صغار الفلاحين لم تتعدَّ 10% من 500  ألف فدان تم طرحها في إطار مشروع المليون ونصف فدان على سبيل المثال، ويرجع هذا الى عدم قدرتهم على تلبية شروط المشاركة.

ووفقا لدراسة لنشرة (عدسة) بمركز (حلول للسياسات البديلة) بالجامعة الأمريكية، فإن كراسة شروط مشاريع الاستصلاح الزراعي الجديدة اقتصرت على مشاركة الشركات التي تضم على الأقل 10 أفراد وبحد أقصى 23 فردًا، وهو شرط تعجيزي بالنسبة إلى صغار الفلاحين. يتراوح سعر الفدان في تلك المشروعات أيضًا بين 18 و45 ألف جنيه، ما يفوق قدرة أغلب الفلاحين.

وصحيح أيضا أن الحكومة تشرك صغار المزارعين في سياساتها الزراعية بشكل جاد حتى في إطار مشاريع الصوب الزراعية التي تستهدف بناء مجتمعات ريفية متكاملة وإتاحة فرص عمل في مواقع الاستصلاح المستهدفة.  

والمشروع القومي يهدف لإنشاء 100 ألف صوبة زراعية إلى توفير إنتاجًا زراعيًّا طوال العام، وإعادة التوازن لأسعار سوق الخضر والفاكهة المحلي وبالتالي الوصول إلى معدلات أعلى من الأمن الغذائي، وكذلك ترشيد استهلاك المياه.

ولكن الغريب ورغم كل ذلك، فقد استثنى المشروع تلقائيًّا صغار المزارعين نتيجة تحصيل الشركة الوطنية للزراعات المحمية 60% من دخل المستأجر من عوائد المحصول بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة جدًّا لتشغيل تلك الصوب والتي تصل إلى 2 مليون جنيه مصري (قبل آخر تعويم)، والنتائج تشير إلى أن المشروع الذي بدأ في 2018 لم يحقق أهدافه وانخفضت عوائده من الصادرات الزراعية بين عامي 2021 و2022.

الدراسة تشير إلى أنه ورغم أهمية استصلاح الأراضي فإن التوسع الأفقي للرقعة الزراعية وحده لا يحقق التنمية المرجوة، تفتقر مشاريع استصلاح الأراضي القائمة في مناطق غير معمورة إلى معايير الجذب المجتمعي والاتحاد مع الريف المحلي، كما أنها تركز فقط على أهداف تصديرية غير معنية بالاستثمار في التنوع البيولوجي وتوطين تكنولوجيات الزراعة الذكية.

ولا يختلف أحد على أن مشاريع الاستصلاح الزراعي تعد فرصة مهمة من أجل تنمية مناطق غير معمورة وإنشاء تجمعات متكاملة لتعزيز الصناعات الزراعية التي من شأنها زيادة النقد الأجنبي وسد احتياجات السوق المحلي، لكن اغتراب المشاريع الحالية عن المجتمعات الريفية وتهميشها لصغار الفلاحين من أهم أسباب فشلها في تحقيق تنمية شاملة.

سياسة الدولة الرسمية والتي أعلنها كبار المسؤولين تقول "إن مشاريع الاستصلاح الجديدة ترتكز على زراعة محاصيل ذات ربحية اقتصادية وقابلية للتصدير، تستهدف تلك السياسة تصدير محاصيل "نظيفة" تزرعها شركات متوسطة وكبيرة بدون استخدام المبيدات".

إلا أن المتابع يرى وجود تناقض في تلك السياسة مع تصريحات مسؤولي الزراعة التي تقول "إن هدف  المشاريع الجديدة زيادة الرقعة المزروعة بالمحاصيل الاستراتيجية، مثل: الشعير والقمح، في حين أن أكثر محاصيل الأراضي المستصلحة تصديرية، على قائمتها الموالح".    

وبقراءة متفحصة لتلك التصريحات، يتبين أن التفاوت بين التصريحات والواقع يلقي الضوء على تداعيات السياسة التصديرية على الأمن الغذائي للمصريين في ظل عدم قدرة الأغلبية شراء واستهلاك ثمار الأراضي المستصلحة من الفواكه والخضراوات عالية الجودة، وتصبح الخلاصة أن الاستصلاح ينتج ثمارًا لا يستهلكها المصريون.

ولابد من الإجابة الواضحة على ما يراه متخصصون، وما تقوله الدراسة من أن الدولة تخلفت في تنفيذ الرؤية الاستراتيجية لتنمية الزراعة 2030 التي من شأنها تلبية احتياجات السوق الداخلي والخارجي والاستعداد لتأثير التقلبات المناخية من تدهور التربة وندرة المياه.

بل الواقع يلفت إلى أن متخذي القرار تجاهلوا الأثر الإيجابي لتحسين حياة قاعدة المزارعين ودعمهم على مواجهة تداعيات الاحتباس الحراري، ونجاح السياسات الزراعية والتنمية الشاملة.  

والتوجيهات والإقتراحات عديدة ومتنوعة، لمعالجة كل نقاط الخلل لتحقيق سياسة زراعية تصب في صالح الجميع، والأهم أن تقتنع بها الحكومة، ومن بينها التحول إلى التدخلات الزراعية الذكية مناخيًا من أجل تحسين إنتاجية الفدان في أراضي الوادي والدلتا، والتواصل الفعال بين المزارعين وصانعي السياسة من أجل توطين الزراعة الذكية المستدامة الموفرة للطاقة والمياه في إطار يحافظ على المجتمعات الريفية المحلية وتنميتها.

ولابد من التركيز على التنمية المجتمعية في الأراضي الصحراوية المستصلحة والاستفادة من التجارب السابقة والتي وفرت فرصًا جيدة للخريجين لكن فشلت في الاستدامة لعدم بنائها مجتمعًا تنمويًّا متكاملًا، مع مراعاة حقوق كل الفئات، وخصوصا صغار الفلاحين دون إحتكار لجهة ما لكل الحق في الإستثمار الزراعي وتنوعاته.
----------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | استثمار زراعي .. ولا مكان لصغار الفلاحين





اعلان